الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » وصايا لقادة المشروع القرآنيِّ

وصايا لقادة المشروع القرآنيِّ

كتبه أبو عمر الأزهري

الحكمة والرَّحمة ركنا القيادة النَّاجحة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فالحزم = حسن التدبير، وقوة التقرير، وسلامة التعبير، ومراعاة التيسير، ووضع الشيء في موضعه، وعدم السماح بالتهاون في الحقوق والواجبات، واحترام القانون الذي يجري أثره على الجميع دون استثناء، فلا تمييز لأحد أفراد العمل؛ قال المرادي: “الحزم هُوَ النّظر فِي الْأُمُور قبل نُزُولهَا، وتوقي المهالك قبل الْوُقُوع فِيهَا، وتدبير الْأُمُور على أحسن مَا تكون من وجوهها” وقال لُقمان الحكيم: “أحزَمُ الحازمين من عرف الأمر قبل وقوعه واحترس منه” ويقول عمر بن يحيى:

الحزم قبل العزم، فاحزم واعزم
وإذا استبان لك الصواب، فصمِّم

إذا طبَّقت الحزم بهذا المعنى، وشعر الجميع بأنك عادل تسعى لضبط العمل بكل ما تقوم به من قرارات وعقوبات وسلوكيات، فتأكَّد أنك ستكون محلَّ تقدير من الجميع بما فيهم من أوقعت عليه العقوبة، ولو ظهر بأنه مستاء أو قليل الود لك، فهذه صورة ظاهرية، لكنه في قلبه يحترمك ويقدِّرك ويعرف لك مكانتك.

إن النفس البشرية لا تقبل الالتزام، ولا تحب التقيُّد، وتنفر من النظام؛ لذا كانت في حاجة إلى تقرير النظام، والحزم والصرامة في التنفيذ؛ لأن النفس لو جدت فرصة إلى الانحراف فلن تتردَّد في ركوب موجته، وتوجيه شراع السفينة إليه؛ فالله الله في الحزم.

وليس من الحزم في شيء تقرير العقوبات في غير محلِّها، أو الإسراف في استخدام الصلاحيات المقررة للمرء؛ ففيه نوع من الظلم والتجاوز والتعدي، والله لا يحب الظالمين، فاقدر الأمر قدره، ولا تبالغ في تصرفاتك في الفرح والغضب؛ فإن القرار مثل الملح يستقيم به الطعام إذا كان متوسطا بقدر الاستقامة، ويفسد بالزيادة والنقص؛ فلا للإفراط أو التفريط.

ليس معنى الحزم أن يكرهني كل من معي في العمل وليس معنى الرحمة أن أتهاون مع كل الأفراد لأحصِّل حبَّهم وودَّهم؛ لذا كانت الحكمة في الاقتصاد وحسن التدبير؛ فالحازم لا يبتعد عن الرحمة في شيء؛ بل إن الحزم صورة من صور الرحمة التي يجنح فيها المرء إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها إقامة العدل، ورعاية أحوال الرعيَّة، وتغليب المصلحة العامة، بحسن أسلوب، وأجمل كلمات، وأبلغ حوار، وأصدق نقاش، وأرقى خطوات؛ فالحازم لابد أن يكون حكيما ليضع الشيء في موضعه؛ فكم من مريد للخير لا يبلغه؛ لفساد رأيه، وضلال طريقته، وقبح مواقفه.

أي صاحبي، احذر وأنت تنفِّذ القانون، أو تباشر صلاحياتك ومهامك ومسئولياتك أن تكون سببا في نفور حافظ، أو تفلُّت معلِّم، لأنك لا تأمن إن غادروا بيئتك هذه إلى أي بيئة يذهبون؛ فقد ينحرف المتفلِّت ويعظم خطره على البيئات القرآنية والمجتمعية بسبب انتكاسته الشديدة القاصمة، فلا تنس هذا المعنى حين تقرِّر وتُنفِّذ، ولا تأخذك الحميَّة بتقرير ما يكون محور ندمك طوال عمرك!

اعلم يا صاحبي أنه لن يرضى عنك كل من يلقاك، فمنهم المحب، ومنهم الكاره، ومنهم الصديق، ومنهم العدو، ومنهم المتكبر، ومنهم المتواضع؛ فلن يُجمع عليك الناس، بل ستظل محور تقاسم الناس عليك؛ فاقبل بهذه القاعدة الكليَّة، ولا تحرص على استجلاب رضا العامة، واحذر من استجلاب سخطهم، ولا تشتر العدوات بقرارات أو سلوكيات يمكِّن تأجيلها لتهيئة البيئة والنفوس أولا، أو يمكن استبدالها بغيرها مما يكون أقل في السلبيات الناتجة عنها؛ فاستعن بالله وافعل ما فيه مصلحة العمل، والله يتولى الصالحين، وما كان لله تعالى يسَّره وقضاه.

      وحرَّره
       أبو عمر الأزهريُّ
       عميد المعهد القرآنيِّ العالي
        حامدًا ربه ومُصليًا على نبيِّه ﷺ.

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤