الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » نصاب المراجعة للحافظ

نصاب المراجعة للحافظ

كتبه أبو عمر الأزهري

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فإنَّ المقدار المناسب للمراجعة يتحدَّد بمستوى الحافظ، ودرجة الحفظ؛ فكلما قوي الحفظ قلَّ المقدار، والعكس، والناس متفاوتون في الحفظ والتثبيت والاستظهار، وصناعة الحفظ المتقن مسيرة طويلة تبدأ من أول الحفظ وتستمرُّ معه إلى أن يختم الحافظ القرآن الكريم، فالأخذ بأسباب الإتقان وصناعة حفظ متميِّز لا تأتي بعد تراكم المحفوظات، بل تبدأ مع القليل بالرعاية والعناية والتأني وكثرة المتابعة، وبذلك يتحقق الإتقان للكثير لأنه أجزاء وجزئيَّات تعب المرء عليها حتى أتقنها فتكوَّنت منها كليَّات المحفوظ.

وأعقل الحفَّاظ من صاحب الهمة من بداية الحفظ إلى نهايته، فطول نفس الحافظ وانتظامه أثناء عملية الحفظ يُسهم بدور كبير في قوة المنتج الحفظي للحافظ، وهذا أمر يحتاج إلى تحفيز ذاتي وخارجي، وأخذ بأسباب الإتقان المتاحة والممكنة وما قيل بأنه مستحيل؛ فإن الاستحالة أمر نسبي ليس له ضابط أو حد، فما هو مستحيل على (عمرو) ممكن على (زيد) لذا ينبغي ألا ييأس الحافظ من سبل الإتقان والإجادة والتي من أعلاها وأغلاها وأسماها وأبهاها= المراجعة الشاملة.

والمراجعة الشاملة= لا تتوقف عند حدود القراءة من الصدر باللسان والترديد والتكرار، أو القراءة من السطر بالعين والمرور على الآيات بالبصر، بل تتعدى هذا إلى الأذن من خلال الاستماع المتسلسل للمحفوظ بواسطة حاذق متقن ماهر ذي صوت محبَّبٍ إلى نفس الحافظ، كما تكون المراجعة بالعقل من خلال التفكر والتدبر في القرآن الكريم عن طريق مطالعة كتب الغريب والمفردات والتعمق في كتب التفسير، وتكون بالقلب بالتأثر والخشوع والوجل والتفاعل مع النص الشريف، وتكون بالجوارح من خلال العمل بمضامين المحفوظ؛ فلابد من إدراك هذا المعنى حتى يسعى الحافظ للزيادة والترقِّي مع القرآن الكريم، فمنهم من يتوقف عند مرحلة دون أن يبلغ باقيها فلا يشعر بلذة، ولا يتحقق له اليقين بالإتقان لنقص الأسباب المؤدِّية إليه، فتكاتف المراجعات البصرية، والسمعية، والعقلية، والقلبية، والجسدية= الإتقان والإجادة، والنقص في جهة منها نقص في الإتقان بنسب متفاوتة.

من أجل هذا أقول: لا نصاب لأكثر ورد مقروء ومراجع؛ فالأمر كله رزق، وإذا فتح باب الرزق فلا ينبغي إغلاقه طوعا، وأما نصاب القلة فلا يجب أن يقل الحافظ بحال عن جزئين، والزيادة كلها بركة، والإتقان لا يتحقق من غير تضحية وبذل وعطاء، والزيادة عن الجزئين تسهم بأثر كبير في الإجادة، وعلى قدر الزيادة تكون الريادة، وهي من أمارات التوفيق، ودلائل الاستقامة، وعلامات الإتقان.

وأعدل نصاب المراجعة للمشغول ثلاثة أجزاء، وللمتوسط خمسة، وللمتفرغ عشرة، ولابن الآخرة معايشة القرآن الكريم في كل لحظة؛ فكثرة المراجعة والتعلق بالقرآن الكريم من أعظم المنح والرزق الذي يُوفَّق إليه عبد من عباد الله تعالى، فلا يقع بسبب كثرة علم، أو شدة ذكاء، أو عظيم ثراء، وإنما هو محض فضل الله تعالى على من صدق من عباده؛ فإذا أردت أن تدمن المراجعة لتعم حياتك فكن على قدر ما تطلب بالطاعة والاستقامة؛ فالله يتولى الصالحين.

وأما من لم يتحقَّق له الختم فوصيتي له أن يحرص على مراجعة كامل محفوظه كل يوم ما أمكنه ذلك، فإن لذلك بركة عليه وعلى حفظه وحياته، فإن أعياه ذلك وشقَّ عليه فلا يَقصُر عن ثلاثة أيام من خلال تقسيم المحفوظ عليها، فإن عجز – لانشغال شديد، أو كثرة السور والأجزاء – فلا يُفرِّط في ختم كامل محفوظه في خمسة أيام، فإن عجز فعلى سبعة أيام، فإن بالغ في العجز فعلى عشرة أيام، وفي الزيادة عن ذلك مجازفة وتضييع وتفريط، وهو دليل الانصراف عن القرآن الكريم، فاحرص على المعالي فما للتَّرقِّي انتهاء.

وحرَّره
أبو عمر الأزهريُّ
عميد المعهد القرآنيِّ العالي
حامدًا ربَّه ومُصليًا على نبيِّه ﷺ

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤