الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » سرعة القراءة الأسباب والعلاج

سرعة القراءة الأسباب والعلاج

كتبه أبو عمر الأزهري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فقد وجَّه إليَّ بعض الفضلاء سؤالا مضمونه: كيف نعالج أخطاء الطُّلَّاب النَّاتجة عن القراءة السَّريعة؟

وللجواب أقول: إن السُّرعة المفرطة في القراءة من بعض الطُّلَّاب في الحلقات من أظهر السَّلبيَّات التي تعود على مستوى الطَّالب بالضَّعف والتَّراجع؛ لأنَّ السُّرعة ينتج عنها أمور تُسهم بدور بارز في انحدار المستوى، ومنها ما يلي:

1 – الإسقاط: وهو حذف كلمة أو أكثر من السياق ويتصل النص بالالتحام، مما يتسبَّب في ثبات الحذف في اللسان، حتى لا يكاد يهتدي الطالب إلى موضع السقوط إلا بتتبيه الغير، ومع كثرة وقوع السَّقط في المحفوظ تصعب المعالجة بقدر مرَّات تكرار الموضع بالسَّقط، من هنا عظمت خطورته.
2 – الإدماج: وهو تداخل الحروف والكلمات والجمل بالإدغام فيضيع بذلك رونق القراءة، وجمال العبارات، وتضعف قوة الأداء؛ بسبب السُّرعة المفرطة التي تجعله يصل إلى مرحلة الانقياد وفقد التَّحكم في الأداء، ولا يتمكن المستمع من إدراك كثير من مكوِّنات الكلام.
3 – الإدخال: وهو التَّداخل الحاصل بين مكوِّنات النَّصِّ مع إثبات الحروف، فهو وإن كان يقرأ النَّصَّ دون إسقاط إلا أنه يُداخل بين بنيته ومكوِّناته؛ بما يصعب معه التمييز بين أجزائه، وذلك للسُّرعة الكبيرة.
4 – التَّلعثم: وهو تردد القارئ بين كلمات مختلفة في كلمة واحدة، فلا يثبت على اختيار لفظ، وإنما يتردَّد عند النُّطق بالكلمات بصفة مستمرَّة، وقد يكون هذا العيب جبليًّا= ليس للطَّالب فيه اختيار، كأن يكون سريع العرض فيتلعثم مع جودة الحفظ والقدرة على اللفظ؛ لأنه لا يحسن الكلام على رسم المتأني، وإنما يسرع فتراه يتلعثم بصورة من صور التَّلعثم كالتَّأتأه، أو الفأفأة ونحوهما، وهذا لا يُعاب ولا يُلام ولا يُعاتب عليه، وقد يكون العيب مسبَّبًا؛ يحدث بسبب ويزول بزواله، فيكون كالحكم والعلة، فهو يدور معها وجودًا وعدمًا، ومن هذه الأسباب:

أ – السُّرعة الشَّديدة من الطَّالب؛ فالقارئ لا يكاد يذكر رسم الكلمات من جراء سرعته أثناء العرض.
ب – قلة المراجعة قبل العرض من أعظم الأسباب التي تؤدِّي إلى التَّلعثم أثناء العرض؛ لأن الطَّالب إذا همَّ ليقرأ من حفظه من غير مراجعة فإنه يتردد ويتلعثم ويخطأ كثيرًا؛ لأنَّ الذَّاكرة عندئذ تكون غير نشطة بما يكفي لتتذكر ما يراد عرضه؛ فالعهد به بعيد، فحينها يوجَّه الطَّالب لضرورة تحضير ما سيقرأ قبل بدء وقته؛ حتى لا يضيع وقتًا في مراجعته في الحلقة، وإنما يكون مهيَّئًا بمجرَّد دخول الوقت أن يشرع في العرض؛ حفاظا على وقته ووقت زملائه، وحرصًا على إعطاء المعروض حقَّه من المراجعة قبل عرضه في المرحلة؛ لئلَّا يقع في الخطأ.
ج – الإصابة بمرض عضوي أو نفسي فقد يحصل التلعثم بسبب معاناة القارئ من مرض، وهذا لا يُعاب عليه، ولا يُلام على وقوعه، بل يوصَى بالأخذ بأسباب العلاج من خلال التداوي والمتابعة مع طبيب متخصص حتى يسلم من هذا كليا أو جزئيا، ونسأل الله السلامة والعافية والشفاء لعموم مرضى المسلمين.

ولمعالجة مشكلة السرعة الظَّاهرة في ميادين التعليم القرآني – عامة، والإلكتروني خاصَّة – يمكن اتِّباع الخطوات التَّالية:

1 – الشُّعور بحجم المشكلة من خلال الوقوف على سلبيَّاتها، ومقارنتها بما يتحقَّق من إيجابيَّات؛ فمعرفة الضَّرر يحمل النَّفس على ترك أسبابه.
2 – معالجة الأسباب الموصِّلة إلى السُّرعة المفرطة، وهي متعدِّدة ومتنوعة، ومنها:
أ- الحرص على قراءة أكبر قدر من المراجعات، ويمكن معالجتها بمدِّ الوقت وزيادته ليستوعب المقروء كلَّه، أو إحداث مرحلة مستقلَّة تعرف بالمراجعات الخاصَّة مع القرين أو القريب أو النَّفس يُراجع الطالب فيها ما يسَّره الله تعالى مما يوفِّي بعجز الأوراد.
ب – الخوف من تفلُّت المحفوظ بسبب ضعفه وعدم ثباته، ويُمكن معالجة هذا بالاعتناء بمجلس الحفظ ليصل الحافظ من خلاله إلى رتبة الإتقان، ومهارة الثَّبات، ومن ثمَّ تقلَّ سرعته في العرض؛ لزوال الخوف الموصِّل إليها.
ج – العادة الطَّويلة التي تحكَّمت في الحافظ بسبب كثرة اعتماده السُّرعة في مراجعاته العامَّة والخاصَّة، ويمكن علاج هذا بعكس العادة من خلال اعتماد البطء والتمهُّل في كلِّ مراحل التَّعامل مع النَّصِّ الشَّريف؛ فالنَّفس على ما تعتاد، واللِّسان على ما يرتاد.
3 – التَّوجيه إلى الاستماع للقرَّاء المتوسِّطين في السُّرعة (المدوِّرين) أو المبطِّئين (المحقِّقين) فإنَّ النَّفس تنزع إلى ما أدمنت الاستماع إليه، فسرعة القراءة لا تنكسر إلا ببطء الاستماع الموصِّل إلى تعوُّد هذه الطَّريقة، فتأمَّل
.

4 – التَّدريب على القراءة المتأنِّية من خلال التَّعويد والممارسة المتواصلة؛ فإنَّ اللِّسان يثقل أو يخفُّ من خلال علاقته بالتَّدريب قلَّة وكثرة، وعلى الحافظ أن يتحمَّل مسئولية إلزام النَّفس بهذا المعنى، مع طول النَّفَس، والصَّبر، والاستمراريَّة؛ حتى يتحقَّق الهدف.
5 – حسن رعاية المعلِّم للحافظ بالتَّنبيه، والتَّوقيف، وعدم تمرير ما أسرع فيه؛ فإن المعلِّم الصَّامت تجاه هذه المشكلة الكبيرة مشترك في تفاقمها وتطوُّرها، ومنهم من يحمل الطَّالب على الإسراع في العرض فيتسبَّب هذا في اعتياده، فالمعلِّم عليه مسئوليَّة عظيمة في تعديل الأداء وإصلاحه وعلاجه، وهذا يحتاج إلى الأمانة، والاحتساب، والصَّبر، والقدرة على التَّوجيه، فليس كلُّ معلِّم يقدر على ذلك، لكن يجب على المعلِّم الارتقاء بنفسه بالعلم والمعرفة وطلب الخبرة، لاسيما في جانب معالجة المشكلات الميدانيَّة في مجال التَّعليم القرآنيِّ.
6 – توجيه الطَّالب إلى تسجيل مقطع صوتي لنفسه أثناء القراءة، ثم الاستماع إليه ليقف على حقيقة أدائه اللَّفظيِّ والتَّجويديِّ؛ فكثير منهم لا يُدرك الخلل بمجرَّد العرض على الأستاذ، وإنما يحتاج إلى إشراك أذنه معه في التقييم؛ وحينها يستنكر قراءته، ممَّا يحمله على الإصرار على المعالجة، والاستجابة لتوجيهات المعلِّم؛ لأنه أدرك حقيقةً حاجة القراءة إلى ضبط وتقويم.

فائدة: معالجة الأطفال تحتاج إلى جهد أكبر من الكبار؛ فالكبير يُعالج بالعقل والبيان والتَّدريب، أما الصَّغير فيحتاج مع هذا كلِّه إلى تقريب المراد بما يتناسب مع قدراته الإدراكيَّة، وتدريبه ومعالجته أطول في الزَّمن من معالجة غيره؛ فليصبر معلِّم الصَّغير عليه، وليتحمَّل منه ما يقع في مجلس التَّعلُّم، وليُشرك البيت معه في العلاج؛ فإن التَّعاون في المعالجة أنفع وأسرع وأقنع.

إن السُّرعة في العرض تدلُّ على إجادة المحفوظ، وإتقان الملفوظ، والطالب في مرحلة الحفظ لا يزال حفظه ضعيفًا، فلا يُوجَّه لفعل ما هو من شأن الحفظة المهرة الذين تدربوا كثيرًا على سرعة القراءة من باب قلَّة الوقت المتاح عندهم للمراجعات وقراءة أحزابهم التي ألزموا أنفسهم بقراءتها، كما أنَّ توجيه الطَّالب إلى السُّرعة في العرض أمر من شأنه أن يوقعه في إسقاط بعض الحروف والكلمات، وربَّما لا يشعر المعلم بذلك، فتكون السُّرعة مُضرَّة ومُفسدة.

ويمكن القول: إنَّ السُّرعة والبطء من القارئ أمر مرهون ابتداء بمستواه التحصيلي، فليس الطَّالب بطيء الحفظ ثقيل اللِّسان كغيره، فيمكن أن نطالب بعض الطلاب بسرعة العرض لقوة حفظه، وفصاحة نطقه، وعدم انجرافه إلى الخطأ، ونمنع بعضهم ممن ثقل لسانه، وضعُف محفوظه؛ لأنَّ هذا يجرُّه إلى الخطأ، والمعلم بأحوال طلَّابه خبير أمين.

وشروط العرض السَّريع الصَّحيح:

1 – أن يكون الطَّالب قويَّ الحفظ لا يتأثَّر عرضه بالسُّرعة سلبًا فلا يقع في الخطأ بسبها.
2 – أن لا تؤدِّي السُّرعة إلى وقوع الطَّالب في الأخطاء النَّحوية الإعرابيَّة، فلا يبدِّل الحركات.
3 – أن يكون الطَّالب متمكِّنًا من سرعته فلا يُحدِث تداخلًا بين الحروف والكلمات، وإنما يفصل بين المفصولات بما لا يؤدِّي إلى توليد الحركات، أو حذف الموجودات.
4 – أن يكون المعلم قادرًا على متابعة قراءته حال سرعته، فإن لم يكن قادرًا فلا ينبغي.
5 – ألَّا يرفع صوته بما يضرُّ إخوانه في الحلقة، وإنما يقترب من المعلم اقترابًا شديدًا بحيث يتسنَّى له أن يستمع إليه بوضوح مع انخفاض صوته قدر الطاقة؛ حفاظا على تركيز زملائه.

     وحرَّره
       أبو عمر الأزهريُّ
       عميد المعهد القرآنيِّ العالي
         حامدًا ربه ومُصليًا على نبيِّه ﷺ. 

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤