الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » المنهج الأمثل في طلب الفُتيا

المنهج الأمثل في طلب الفُتيا

كتبه أبو عمر الأزهري

     الحمد لله الذي جعل كتابه مؤلفا منظما، وجعله بحسب المصالح مفرقا منجما، وأوحاه إلى نبينا محمد متشابها ومحكما، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذا جواب على سؤال وجهه بعض الفضلاء من طلاب العلم ونصه: تقابلني مسائل في الفقه فأسمع لها إجابات من جميع العلماء، وهذا له جواب وهذا له جواب، وبعد ذلك أجد نفسي في حيرة؛ فماذا أفعل؟.

والجواب: وصيتي= لا تتنقل بين الشيوخ والعلماء مكثرا من الاستماع إلى فتاويهم التي قد تختلف باختلاف المذهب، والترجيح، والاستدلال، والرؤيا الفقهية، والتخصص الدقيق.

منهج طلب الفتيا الأمثل :والمنهج السديد لمن رغب في معرفة الحكم الشرعي في مسألة من المسائل الشرعية الفقهية أن يعمد إلى شيخ هو الأوثق في نفسه، والأثبت في قلبه، والمأمون لديه، والأعلم في المجال ممن استفاضت ثقته وأمانته ولو كان مغمورا ثم اعتمد رأيه المبني على الدليل دون أن تتنقل بين الشيوخ والمتفقهين للبحث عن رأي معين، أو للتشتت بين الآراء المختلفة لتنوع المذاهب الفقهية، والمدارس العلمية، والدوائر الإفتائية.

كما يمكنك أن تطالع ما كتبه علماء مذهبك وقرروه من خلال النظر في الكتب المعتمدة في المذهب؛ فهذا أسلم في التحصيل، وأشمل في التفصيل، وأسرع في التوصيل.

أهداف تعدد المفتيين :إن التنقل بين العلماء بهدف معرفة أقوالهم لا يخلو من الأهداف التالية:

1 – أن يكون لمزيد علم ومعرفة بهدف التوسع والاستفادة من طالب علم منتفع؛ فلا مانع من التبحر في المعرفة، والتوسع في المسألة، مع ضرورة نسبة القول إلى قائله، وحصول الفائدة والمنفعة مع كل جواب؛ فإن توقف النفع، وانعدمت الفوائد وجب التوقف الفوري حتى لا ينجرف إلى منطقة الخطر، وساحة الفتنة، وميدان التضييع.

2 – أو يكون لشك وريبة وقعت في نفسه من قول عالم؛ وهذا يكتفي بطلب الدليل على الحكم والفتيا ليحصل به اليقين والتثبت ولا يزيد، فإن التمادي في طريق التشكيك في العلماء منفذ ضلال، وبوابة هوى، وطريق غواية؛ لذا كان المرء مطالبا بسؤال الأوثق لديه حتى لا يقع في هذا.

3 – أو يكون لتنطع السائل وبحثه عن قول معين في المسألة فهو يتنقل بين المفتيين بغية الحصول على رد يشفيه؛ وهذا من التكلُّف والهوى الذي يلزم المؤمن التنزه عنه؛ فالتسليم والانقياد والإذعان للحكم منهج إيمان؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65] وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51] وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36] والواجب على المسلم أن يتبع الحق بدليله، فإن تتبع رخص العلماء تزندق أو كاد.

وختاما: أسأل الله أن يبصرنا بالحق، وأن يقربنا إليه، وأن يصلح نوايانا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا من العلم ما تنصلح به حياتنا، وتستقيم أمورنا، وتحسن خاتمتنا، وتسعد آخرتنا.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يتقبل هذه الكلمات، وأن يجعلها نافعة للمسلمين، وأن تكون لبنة في بناء العلم الشريف، وأن ييسر  لطلاب القرآن العلم والمعرفة والعمل الصالح، وكان الفراغ من كتابة هذه السطور المباركة يوم الجمعة 9 شوال 1442ه = 21/5/2021م.

والحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وحرره

أبو عمر الأزهري

يعفو الله عنه

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤