الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » الشَّكُّ في الحفظ مشاكل وحلول

الشَّكُّ في الحفظ مشاكل وحلول

كتبه أبو عمر الأزهري

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فقد اشتكى بعض الحفاظ من مشكلة الشك في الحفظ حتى يصل إلى حالة من فقد الثقة في محفوظه، خاصة إذا راجع حفظه من المصحف، والسبيل إلى علاج هذه المشكلة يكمن فيما يلي:

أولا: الشك سلاح من أسلحة الشيطان يُحارب به الحفظة، فلا ينبغي للحافظ أن ينجرف مع الشكوك في المحفوظ فيقع في اليأس أو الملل أو الكسل أو الخمول أو العجز، والسلامة من الشك أن يُعلِّق قلبه على الله تعالى مع سلوك كل سبيل يُوصِّل إلى تحقيق الغاية، من خلال كثرة المراجعة بصورها المتعدِّدة، من النظر بالعين، والقراءة باللسان، والاستماع بالأذن، والتدبر بالعقل، والوعي والتأثر بالقلب؛ فإن معالجة الشك تستوجب السير في الطريق المعاكس بالثقة مع الإتيان بما يُعضِّدها من أسباب.

ثانيًا: دراسة ظاهرة الشك من حيث التوصيف والسبب والآثار للوقوف على جملة من المدلولات تساعد في معالجة المشكلة من جذورها؛ فقد يقع الشك بسبب قلة المراجعة، أو بُعد ما بين جلساتها، فلا يُراجع الحافظ بصورة نظامية، وإنما بصورة عشوائية لا يتحدَّد معها حزب، ولا ورد، ولا وقت، ولا استراتيجية، ولا كيفية، مما يعود على الحافظ بالشعور بتفلُّت المحفوظ، وعلاج هذا أن ينتظم الحافظ في المراجعة معتمدًا الطرق والاستراتيجيات الحديثة المناسبة لمستواه من خلال معرفته الذاتية بنفسه، واستشارة المختصين في هذا المجال.

كما أن من أسباب الشعور بالتفلُّت الموصِّل إلى الشكِّ في المحفوظ أن يتعوَّد الحافظ طريقة واحدة في المراجعة ثم يغيرها؛ كأن يعتاد المراجعة من حفظه دون الرجوع إلى المصحف بالنظر والتدقيق وإمعان الفكر، فإذا عرض له عارض فاضطر إلى النظر في المصحف شعر بأن مراجعته تستوي مع العدم؛ بجامع الشعور بالشك والتفلت وعدم الجدوى في كليهما، والعلاج المناسب لمثل هذا السلوك ألا يحصر الحافظ نفسه في طريقة واحدة في المراجعة، بل يُنوِّع في أساليب المراجعة بما يُمكِّنه من اعتمادها جميعا دون حصول شك أو ارتياب أو ضعف في المحفوظ، ووصيِّتي للحافظ أن يعتمد النظر وعدمه، مع الاعتدال والاتزان في استعمالهما؛ فترة ينظر، وتارة يستغني على حسب قدرته وحفظه وثبات النص في ذهنه، مع التدريب على الانتقال بينهما من غير تأثُّر.

ثالثًا: الإعراض عن القرآن الكريم وقلة المراجعة للانشغال الشديد في فلك الحياة الدائر الذي لا يرحم أحدًا، أو الإصابة بالأمراض المتسببة في النسيان لطول الرقود أو تعطُّل العقل ونحوه مما يصل بالمرء إلى مثل هذا الشعور، وسبيل السلامة منه أن يحرص الحافظ على الإتيان بورد ثابت لا يقصر فيه، وأن يُوجد لنفسه من وسائل الإلزام ما يُعينه على الاستقامة والمراجعة والانضباط والجدية، وألا يُعرِّض نفسه للأمراض التي تقعده، فإن وقع ما لا سبيل لدفعه فالله يتولاه ويحفظ عليه قرآنه كما حصل لعاصم ابن أبي النجود حيث مرض شهرا يُغشَى عليه ويفيق، فلما عوفي كان حفظه على حالته.

والخلاصة: أن يهرب الحافظ من وساوس للشيطان وتوجيه التي يقذفها في قلبه ليترك القرآن الكريم، ثم عليه أن يأخذ بالأسباب المنجِّية من الوقوع في النسيان أو الشك بالمراجعة، والتزام حزب ثابت لا يقع فيه التقصير والإهمال، وأن ينوع في طرق المراجعة بما يسلِّمه من التعلُّق بطريقة دون الباقي؛ لئلا يتكيَّف العقل على التفاعل مع الحفظ من خلال طريقة معينة، بل يُعوِّد الحافظ نفسه أن يتحكَّم في طريقة عرضه، ولا ينسى أن يستعين بالله تعالى في صرف هذا المرض عنه؛ فالله تعالى بيده خزائن كل شيء.

وحرَّره
أبو عمر الأزهريُّ
عميد المعهد القرآنيِّ العالي
حامدًا ربَّه ومُصليًا على نبيِّه ﷺ

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤