الأحد, أكتوبر 27, 2024
Home » التَّربية وفنون التَّعليم:

التَّربية وفنون التَّعليم:

كتبه أبو عمر الأزهري

التَّحفيز: أنواعه – وآثاره:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: فقد وجَّه إلي بعض الفضلاء سؤالًا مضمونه: ما الفرق بين التَّحفيز المادِّيِّ والمعنويِّ في البيئة التَّعليميَّة التَّربويَّة؟

وللجواب أقول: إنِّ التَّحفيز من أهم لوازم التَّعليم والتَّربية، فالنَّفس متقلِّبة بين إقبال وإحجام، وللتَّحفيز دور كبير في ارتقاء سهم الإقبال، ويمكن تقسيم التَّحفير إلى قسمين:

الأوَّل: الَّتحفيز المادِّيُّ: وهو ما كانت الوسيلة الموصِّلة إليه ماليَّة، سواء كانت مالًا، أو ما هو مقوَّم ومثمَّن بالمال؛ فالتَّحفيز بالنُّقود – قلَّت أو كثرت – تحفيز مادِّيٌ، وكذلك التَّحفيز بالذَّهب والفضَّة، وكذلك التَّحفيز بالهديَّة العينيَّة ممَّا يُشترى بالمال؛ فالقلم، والكتاب، والجهاز، والبيت، والسَّيَّارة، كلُّها تحفيز مادِّيٌ.

ويتفاوت التَّحفيز المادِّيُّ نوعًا ومقدارًا بتفاوت المحفَّزين في العمر، والإدراك، ومقدار الإنجاز – المتحقِّق، أو المطلوب تحقُّقه – فتحفيز الكبير مادِّيًّا يختلف عن تحفيز الصَّغير؛ فالأخير يكفيه القليل في تحقيق معنى الحافز، بخلاف الكبير فيُعدُّ القليل في حقِّه إهانة وتحقير؛ لأنَّ فلسفة التَّحفيز= منح ما يمتاز به صاحب الإنجاز عن غيره.

وليس كلُّ تحفيز يُقاس بمقداره وقيمته، فمن التَّحفيز ما يُقاس بمقدار وقيمة من يمنحه؛ فقد يمنح الأستاذ بعض طلَّابه قلمه الذي يكتب به على سبيل التَّحفيز والمكافأة، فلا يعدل الطَّالب به مالًا يفوق عشرة أضعافه؛ لأنَّه يرى أن قيمة القلم أعظم من أن تقدَّر بمال ولو كان كثيرًا.

الثاني: التَّحفيز المعنويُّ: وهو ما كانت الوسيلة الموصِّلة إليه معنويَّة لا يمتلكها الطَّالب كامتلاكه التَّحفيز المادِّيَّ، بل تحمل معنى التَّحفيز والإكرام، ويقع على ثلاثة أشكال:

أولها: التَّحفيز الكلاميُّ: وهو الذي يقوم على رفع الهمَّة من خلال الإشادة والثَّناء على الطَّالب بما وقع منه من إنجاز، وفيه يتمُّ اختيار أفضل الكلمات، وأبلغ العبارات، وأقوى المصطلحات في التَّأثير والتَّشجيع، ويُراعى في الكلمات فارق السِّنِّ؛ كرائع، ومبدع، ومتميِّز، وأحسنت، وشكرًا لك، وبارك الله فيك، وإلى العلا يا بطل، وتلقيبه بلقب حافظ المدرسة، أو عبقريِّ الطُّلَّاب، وكل دعاء أو ثناء أو لفظ يُشعر الطَّالب بسعادة المعلِّم؛ فتحفيزه في سعادة من حوله به.

ثانيها: التَّحفيز الفعليُّ: وهو ما يتمُّ تحفيز الطَّالب به عن طريق فعل ملاحظ ومشاهد كالتَّصفيق للصَّغير، أو التَّسليم عليه، أو ضمِّ الابن إلى الصَّدر، أو الضرب على كتفه، وهذا من أنفع أشكال التَّحفيز وله أثر كبير على المربَّى.

ثالثها: التَّحفيز الثَّوابيُّ: وهو ما يكون فيه التَّحفيز برصد جائزة غير ماليَّة لمن أنجز شيئًا معيَّنًا؛ كرحلة إلى مكان يحبُّه الطُّلَّاب ويرغبون في زيارته، كالحديقة، أو النَّادي، أو العمرة وزيارات المشاهد الإيمانيَّة، ونحو هذا، وبمثله يرتقي التَّحفيز إلى أعلى مراحله، لاسيِّما إذا استطاع القائد فهم رغبات الأفراد، مع تمكُّنه من توفيره وتيسيره.

فائدة: والفرق بين هذا الشَّكل من التَّحفيز المعنويِّ والتَّحفيز المادِّيِّ أنَّ الطَّالب في المادِّيِّ يمتلك مالًا ينفقه بإرادته، أو ما يُثمن بمال لو شاء اقتناع ولو شاء باعه، وأمَّا الثَّوابيُّ المعنويُّ فيُعطى شيئًا لا يُملك، ولا يجوز التَّصرُّف فيه بيعًا وهبة، بل له فيه حقُّ الاستمتاع لا الانتفاع.

إنَّ الصِّغار يحتاجون الحافز الماديَّ لكن بقدر وحساب؛ لأنَّ الإفراط فيه يصنع إنسانًا مادِّيًّا يربط كلَّ إنجاز بالمال، ويعمل من أجل المال، فالاقتصاد فيه أولى من التَّوسُّع؛ لأنَّ الطَّالب في صغره تتكوَّن شخصيَّته من جملة ما يعرض له من مواقف وأحداث، فليحذر المربِّي من الإفراط في استعمال الجانب المادِّي في التَّحفيز.

وأمَّا الجانب المعنويُّ فهو الأنفع وتأثيراته السَّلبيَّة لا تُقاس بتأخير المادِّيَّات؛ ولا يتكلَّف المربِّي فيه شيئًا، بل يُثني على الطَّالب بما وقع منه من اجتهاد وتميُّز وإبداع من غير مبالغة أو كذب أو وضع المدح في غير موضعه.

ونحن من نصنع طريقة التَّحفيز المثلى التي تؤثِّر إيجابًا فيمن ولَّانا الله تعالى عليهم، فاعتماد التَّحفيز المعنويِّ أولى من المادِّيِّ، مع الجمع بينهما للصِّغار، وبقدر لا تقع معه آثار سلبيَّة، والمتتبِّع لمنهج القرآن الكريم يُدرك غلبة التَّحفيز المعنويِّ الإيمانيِّ وهذا أعلى أنواع التَّحفيز أن يُحفَّز المرء بثواب أو عقاب؛ فالثَّواب يجذبه للعمل، والعقاب يُقصيه ويُبعده عنه.

             وحرَّره
             أبو عمر الأزهريُّ
                عميد المعهد القرآنيِّ العالي
           حامدًا ربَّه ومُصليًا على نبيِّه ﷺ.

You may also like

Leave a Comment

المعهد القرآني العالي هو مؤسسة تعليمية متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم ومدارسته، ملتزمة بتخريج طلاب متمكنين في تلاوة وحفظ الكتاب العظيم وفق أحكام التجويد.

يسعى المعهد إلى تعزيز فهم الطلاب للقرآن من خلال دراسات معمقة تشمل التفسير والعلوم القرآنية، مما يمنحهم بصيرة أعمق في معاني الآيات الكريمة.

يقدم المعهد بيئة تعليمية داعمة ومشجعة، حيث يتم التركيز على تنمية الروح الإيمانية والأخلاق الحميدة لدى الطلاب، مما يساعدهم على تطبيق تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

Edtior's Picks

Latest Articles

المعهد القرآني العالي – جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤